من كتاب أم المؤمنين الكبرى خديجة بنت خويلد
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
من كتاب أم المؤمنين الكبرى خديجة بنت خويلد
إنِّي لأحبّ حَبيبَها
إنِّي لأحبّ حبيبها..ذلك ما نطق به محمد(ص)وأطلقه نفحة روحية تملأ الآفاق،ونسمة حياة تستقرّ في مشاعر الأجيال..قال ذلك حين كان يُعبِّر عن حبِّه لخديجة(رض)في حياتها ومماتها.
والحديث عن حبِّ محمد (ص) لزوجته خديجة، حديث عن المرأة والحبّ في رسـالة محمد (ص) ، فكلّ سلوك محمد (ص) وسيرته العملية دين وشريعة .. ومحمد (ص) ثبّت للناس منهج الحب ورسالة الحبّ في الحياة .. الحبّ لله ، والحبّ في الله .. حبّ الحق ، حبّ الخير ، حبّ الجمال .. لقد أحبّ الصِّدق والطّهارة والوفاء ، فأحبّ خديجة ، إنّه الحبّ الطّهور الذي لا تشوبه شائبة من الحسابات المادية الزائلة ..
ينطلق منهج النبوّة في بناء الحياة على أساس الحب من الرسالة التي خوطِبَ بها حاملها محمد (ص) ، رسالة القرآن التي عاشت وماتت خديجة من أجلها ، فحقّ أن تكون الجديرة بالحبِّ والوفاء ، لحبِّها وجهادها .. تنطلق نفحات الحبّ تلك من قبل محمد (ص) تجاه خديجة بعد سنين من وفاتها ، ويتحدّث التأريخ عن مصاديق لهذا الحبّ .
قال كتاب السـيَر : كان (ص) يصل صديقات خديجة ، ويهدي لهنّ اللّحم إذا ما ذبح شاة ، فتغار عائشة على حبِّه لخديجة وتتبرّم من ذلك حين تسـمعه (ص) يقول : ( أرسلوا بها إلى أصـدقاء خديجة) ، فتسأله في ذلك فيجيبـها : ( أحبّ حبيبها ، أو إنِّي رُزِقتُ حبّها ) (77) . فليس الحبّ لخديجة وحدها ، بل لما تحبّه أيضاً .. فخديجة لا تحبّ إلاّ ما يحبّ هو ، لذا فهو (ص) يحبّ حبيبها ..
لقد خبر محمد (ص) حياتها وسلوكها ، وسبر أعماق قلبها ومشاعرها ، فوجد حبّها لله وله ، هو الحبّ الذي يدعو إليه ، ويجسِّده سلوكاً في حياته .. إنّه يُبلِّغ عن الله سبحانه ، ربّه الذي أمره أن يُبلِّغ الناس ، ويقول لهم : (ومِن آياتهِ أن خَلَقَ لكُم مِن أنفسـكُم أزوجاً لتسـكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة ) ، ( الرّوم / 21 ) ، ويُبلِّغ : (إن كنتم تحبّون اللهَ فاتّبعوني يُحبِبكُم الله )( آل عمران / 31 ) .
لقد أحبّت خديجة الله ، فاتّبعت محمداً ، فأحبّها الله سبحانه ، فاستحقّت حبّ محمـد (ص) وودّه بهذه القيم والمبادئ .. وذلك منهجه ، الذي لخّص دعوته به .. لخّصها بقوله : (وهل الدِّين إلاّ الحبّ) .
تميّزت العلاقة بين خديجة والنبيّ محمد (ص) بأنّها علاقة لم تمحها الأيام ، ولم يغيِّرها موت خديجة .. لقد كانت تعيش في نفسه (ص) بعد رحيلها إلى ربّ السّلام .. كما كانت في حياتها تقف إلى جانبه في البيت ، وفي غار حراء ، وفي شِعب المحنة والحصار .. تواسيه في ساعات العسرة ، وتُخفِّف عنه آلام المعاناة ، وتمنحه مشاعر الحبّ والوفاء ، وتسنده بكل ما تملك من مال وإرادة .. لهذا وصف كتاب السيَر مشاعر محمد (ص) تجاه خديجة بقولهم : (ولم يسأم من ذكرها ) .
وتروي عائشـة شدّة حبّ محمـد (ص) لخديجة ، وتعلّقـه بها ، وترديد ذكرها الطيِّب الحبيب .. وغيرتها(عائشة)من كثرة ما كان يذكرها(ص)به من ثناء وتعظيم وحبّ ووفاء.. فقد روى هشام بن عروة عن عائشة قولها: (ما غرتُ على امرأة للنبيّ(ص)ما غرتُ على خديجة ـ وهلكت قبل أن يتزوّجني ـ لما كنت أسمعه يذكرها،وأمره الله أن يُبشِّرها ببيت في الجنّة من قصب.وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهنّ.وفي لفظ عن عائشة:ما غرتُ على امرأة ما غرتُ على خديجة،من كثرة ذكر رسول الله(ص) إيّاها،وتزوّجني بعدها بثلاث سنين،وأمرهُ ربّه ـ أو جبرئيل ـ أن يُبشِّرها ببيت في الجنّة من قصب).
وتعيش الذكريات والأحاسيس الحبيبة في نفس محمد (ص) ، فتعود إلى الذاكرة ، حين تجد ما يعيدها ، وما كان يقترن بها في حياة خديجة .. حتى نبرات الصوت وطريقة الاستئذان ، وآداب خديجة التي كانت تتحلّى بها أختها هالة ، وهي تُخاطب النبيّ ، حتى ذلك كان يرتاع له النبيّ محمد (ص) ويتفاعل مع نفسه ووجدانه الكريم (ص) ..
سجّل التأريخ هذا المشهد الوجداني الرائع والوفاء الفذّ للزوجة المخلصة الوفيّة .. سجّل مشهد استئذان هالة بنت خويلد ، أخت خديجة (رض) على رسـول الله (ص) ، فتذكّر طريقة خديجة في الاسـتئذان ، ونبرات صوت خديجة لمشابهته صوت هالة ونبراتها ، فاهتزّ سروراً وفرحاً ، أو فزع وتغيّر لونه ، لتأثّره الوجدانيّ ، بتذكّر خديجة ، فقال بصوت المحبّ المنتظِر : ( اللّهمّ هالة) .. اللّهم اجعل هذه المستأذنة باللِّقاء هالة ، ليأنس بلقائها ، ويتذكّر فيها حبّ خديجة (رض) ، وكما أحبّ ، فلقد كانت هالة ..
روت عائشة هذا الموقف والحوار الوجدانيّ المؤثِّر ، فقالت : ( استأذنت هالة بنت خويلد ، أخت خديجة ، على رسول الله (ص) ، فعرف استئذان خديجة ، فارتاع((78)) لذلك ، فقال : اللّهمّ هالة ، قالت : فغرتُ ، فقلتُ : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشّدقين ، هلكت في الدّهر ، قد أبدلكَ الله خيراً منها ) (79) .
وإلى هنا توقّف البخاري الذي نقل هذه الرواية ، ولم يكملها ، ولم ينقل إلينا ردّ الرسول (ص) على عائشة .. غير أنّ أحمد بن حنبل ، روى ردّ رسول الله (ص) على عائشة ، وتأذِّيه من قولها .. نقل ابن الأثير في البداية والنهاية ما رواه أحمد بن حنبل ، مُنبِّهاً إلى أنّ البخاري لم ينقل ردّ رسول الله على عائشة ، واستنكاره لقولها ، ونصّ قوله هو : (ولكن قال الإمام أحمد : حدّثنا مؤمِّل ، أبو عبدالرحمن ، حدّثنا حماد بن سلمة ، عن عبدالملك ـ هو ابن عمير ـ ، عن موسى بن طلحة ، عن عائشة ، قالت : ذكر رسول الله (ص) يوماً خديجة ، فأطنبَ في الثناء عليها ، فأدركني ما يُدرِك النساء من الغيرة ، فقلت : لقد أعقبكَ الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشّدقين ، قالت : فتغيّر وجه رسول الله (ص) تغيّراً لم أره تغيّر عند شيء قط إلاّ عند نزول الوحي أو عند المخـيلة ، حتى يعلم رحمة أو عذاباً ... ) (80) .
وقال مروان بن معـاوية ، عن وائل بن داود ، عن عبدالله البهي ، قال : قالت عائشة : كان رسول الله (ص) إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها ، فذكرها يوماً ، فحملتني الغيرة ، فقلت : لقد عوّضكَ الله من كبيرة السن ! قالت : فرأيته غضب غضباً أسقطت في خلدي ، وقلتُ في نفسي : اللّهمّ إن أذهبتَ غضب رسولك عنِّي لم أعد أذكرها بسوء . فلمّا رأى النبيّ (ص) ما لقيت ، قال : ( كيف قُلتِ ؟ والله لقد آمَنت بي إذ كذّبني الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، ورُزِقتُ منها الولد وحُرمتموه منِّي ، قالت : فغدا وراحَ عليَّ بها شهراً ) .
لقد كانت خديجة وفيّة لرسول الله (ص) ، تكرم مَن أحبّ رسول الله (ص) وتقضي حاجته ، لذا أكرم رسول الله (ص) مَن أحبّته خديجة .
جاء في بعض الروايات أنّ حليمة السعدية مربِّية النبيّ (ص) ، قدمت على النبيّ (ص) بعد زواجه بخديجـة ، وكانت البـادية قد أصابها القحط والجدب ، فشكَت إلى رسول الله (ص) ما تُعانيه من فقر وحاجة ، فحدّث رسول الله (ص) خديجة بذلك ، ليحثّها على تقديم المساعدة لها ، فوهبتها خديجة بعيراً وأربعين شاة ، تقديراً لعلاقة حليمة بالنبيّ محمد (ص) كمربِّية له وطالبة حاجة منه (81) .
فلا غرابة أن نرى وفاء محمد (ص) لخديجة بعد موتها وصلته واحترامه لصديقاتها ، إنّه الوفاء الصادق ، والحبّ المخلص الذي لا يُغيِّره الزمن ، ولا يزول بمرور الأيام ..
ويحفظ لنا التأريخ موقفاً لرسـول الله (ص) يُسجِّل فيه أروع حالات الوفاء للزوجة الوفية .
(رُوي أنّ امرأة جاءته ، وهو في حجرة عائشة فاستقبلها ، واحتفى بها ، وأسرعَ في قضاء حاجتها ، فتعجّبت عائشة من ذلك ، فقال لها (ص) : إنّها كانت تأتينا في حياة خديجة) (82) .
وتبرز مكانة خديجة ، وفضلها على نساء النبيّ (ص) ، بما شهد به رسول الله (ص) ، فهو يردّ على عائشة بقوله : (ما أبدلني الله خيراً منها ) .. وبما اسـتحقّته وحدها من نساء النبيّ (ص) من بشارة ببيت في الجنّة ، وهي وحدها التي تلقّت التحيّة من ربِّ العزّة ، وهي وحدها مِن بين نسائه ، قال فيها رسول الله (ص) : إنّها خير نسائه .. وهي وحدها التي واستهُ بمالها ، وبذلت كلّ ما تملك من أجل الرسول (ص) ودعوته الحقّة ، ورزقه الولد منها ..
وصف ابن اسحاق إخلاص خديجة بقوله : (وكانت خديجة وزيرة صدق)، في حين كانت معظم نسائه (ص) يتظاهرنَ عليه ، ويُطالبنه بمطاليب دنيوية ، ويُقاطعنه ويُقاطعهنّ .
سجّل القرآن كل ذلك ، وشرح المفسِّرون المصاديق والأحداث .
قال تعالى : (يا أيّها النبيّ قُل لأزواجِكَ إن كنتنّ تردنَ الحياةَ الدّنيا وزينتها فتعالينَ اُمتِّعكنّ وأسرِّحكنّ سراحاً جميلاً * وإن كنتُنّ تُرِدنَ اللهَ ورسوله والدّار الآخرة فإنّ الله أعدّ للمُحسِناتِ مِنكنّ أجراً عظيماً )( الأحزاب / 28 ـ 29 ) .
(إن تتوبا إلى اللهِ فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا (83) عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربِّه إن طلّقكنّ أن يُبدلـه أزواجاً خيراً منكنّ مسـلمات مؤمنات قانتـات تائبات عابدات سائحات ثيِّبات وأبكاراً)(التحريم/4ـ5).
ذلك خـطاب الوحي لبعض نساء النـبيّ (ص) ، في حين كان خطاب الوحي لخديجة هو أن أبلغها الله سبحانه بتحيّة السّلام ، وبشّرها ببيت في الجنّة .
إنّ في حـياتها الزوجية والرسـالية لعـبرة وقدوة لكل امرأة في دنيا الانسان ، ومسار الأجيال ، فسلامٌ على خديجة زوجة وفيّة لرسول الله ، وسلامٌ عليها يوم اُبلِغَت تحيّة الرّبّ العظيم ، وسلامٌ عليها يوم ماتت ويوم تُبعَث في الخالدين .
إنِّي لأحبّ حبيبها..ذلك ما نطق به محمد(ص)وأطلقه نفحة روحية تملأ الآفاق،ونسمة حياة تستقرّ في مشاعر الأجيال..قال ذلك حين كان يُعبِّر عن حبِّه لخديجة(رض)في حياتها ومماتها.
والحديث عن حبِّ محمد (ص) لزوجته خديجة، حديث عن المرأة والحبّ في رسـالة محمد (ص) ، فكلّ سلوك محمد (ص) وسيرته العملية دين وشريعة .. ومحمد (ص) ثبّت للناس منهج الحب ورسالة الحبّ في الحياة .. الحبّ لله ، والحبّ في الله .. حبّ الحق ، حبّ الخير ، حبّ الجمال .. لقد أحبّ الصِّدق والطّهارة والوفاء ، فأحبّ خديجة ، إنّه الحبّ الطّهور الذي لا تشوبه شائبة من الحسابات المادية الزائلة ..
ينطلق منهج النبوّة في بناء الحياة على أساس الحب من الرسالة التي خوطِبَ بها حاملها محمد (ص) ، رسالة القرآن التي عاشت وماتت خديجة من أجلها ، فحقّ أن تكون الجديرة بالحبِّ والوفاء ، لحبِّها وجهادها .. تنطلق نفحات الحبّ تلك من قبل محمد (ص) تجاه خديجة بعد سنين من وفاتها ، ويتحدّث التأريخ عن مصاديق لهذا الحبّ .
قال كتاب السـيَر : كان (ص) يصل صديقات خديجة ، ويهدي لهنّ اللّحم إذا ما ذبح شاة ، فتغار عائشة على حبِّه لخديجة وتتبرّم من ذلك حين تسـمعه (ص) يقول : ( أرسلوا بها إلى أصـدقاء خديجة) ، فتسأله في ذلك فيجيبـها : ( أحبّ حبيبها ، أو إنِّي رُزِقتُ حبّها ) (77) . فليس الحبّ لخديجة وحدها ، بل لما تحبّه أيضاً .. فخديجة لا تحبّ إلاّ ما يحبّ هو ، لذا فهو (ص) يحبّ حبيبها ..
لقد خبر محمد (ص) حياتها وسلوكها ، وسبر أعماق قلبها ومشاعرها ، فوجد حبّها لله وله ، هو الحبّ الذي يدعو إليه ، ويجسِّده سلوكاً في حياته .. إنّه يُبلِّغ عن الله سبحانه ، ربّه الذي أمره أن يُبلِّغ الناس ، ويقول لهم : (ومِن آياتهِ أن خَلَقَ لكُم مِن أنفسـكُم أزوجاً لتسـكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة ) ، ( الرّوم / 21 ) ، ويُبلِّغ : (إن كنتم تحبّون اللهَ فاتّبعوني يُحبِبكُم الله )( آل عمران / 31 ) .
لقد أحبّت خديجة الله ، فاتّبعت محمداً ، فأحبّها الله سبحانه ، فاستحقّت حبّ محمـد (ص) وودّه بهذه القيم والمبادئ .. وذلك منهجه ، الذي لخّص دعوته به .. لخّصها بقوله : (وهل الدِّين إلاّ الحبّ) .
تميّزت العلاقة بين خديجة والنبيّ محمد (ص) بأنّها علاقة لم تمحها الأيام ، ولم يغيِّرها موت خديجة .. لقد كانت تعيش في نفسه (ص) بعد رحيلها إلى ربّ السّلام .. كما كانت في حياتها تقف إلى جانبه في البيت ، وفي غار حراء ، وفي شِعب المحنة والحصار .. تواسيه في ساعات العسرة ، وتُخفِّف عنه آلام المعاناة ، وتمنحه مشاعر الحبّ والوفاء ، وتسنده بكل ما تملك من مال وإرادة .. لهذا وصف كتاب السيَر مشاعر محمد (ص) تجاه خديجة بقولهم : (ولم يسأم من ذكرها ) .
وتروي عائشـة شدّة حبّ محمـد (ص) لخديجة ، وتعلّقـه بها ، وترديد ذكرها الطيِّب الحبيب .. وغيرتها(عائشة)من كثرة ما كان يذكرها(ص)به من ثناء وتعظيم وحبّ ووفاء.. فقد روى هشام بن عروة عن عائشة قولها: (ما غرتُ على امرأة للنبيّ(ص)ما غرتُ على خديجة ـ وهلكت قبل أن يتزوّجني ـ لما كنت أسمعه يذكرها،وأمره الله أن يُبشِّرها ببيت في الجنّة من قصب.وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهنّ.وفي لفظ عن عائشة:ما غرتُ على امرأة ما غرتُ على خديجة،من كثرة ذكر رسول الله(ص) إيّاها،وتزوّجني بعدها بثلاث سنين،وأمرهُ ربّه ـ أو جبرئيل ـ أن يُبشِّرها ببيت في الجنّة من قصب).
وتعيش الذكريات والأحاسيس الحبيبة في نفس محمد (ص) ، فتعود إلى الذاكرة ، حين تجد ما يعيدها ، وما كان يقترن بها في حياة خديجة .. حتى نبرات الصوت وطريقة الاستئذان ، وآداب خديجة التي كانت تتحلّى بها أختها هالة ، وهي تُخاطب النبيّ ، حتى ذلك كان يرتاع له النبيّ محمد (ص) ويتفاعل مع نفسه ووجدانه الكريم (ص) ..
سجّل التأريخ هذا المشهد الوجداني الرائع والوفاء الفذّ للزوجة المخلصة الوفيّة .. سجّل مشهد استئذان هالة بنت خويلد ، أخت خديجة (رض) على رسـول الله (ص) ، فتذكّر طريقة خديجة في الاسـتئذان ، ونبرات صوت خديجة لمشابهته صوت هالة ونبراتها ، فاهتزّ سروراً وفرحاً ، أو فزع وتغيّر لونه ، لتأثّره الوجدانيّ ، بتذكّر خديجة ، فقال بصوت المحبّ المنتظِر : ( اللّهمّ هالة) .. اللّهم اجعل هذه المستأذنة باللِّقاء هالة ، ليأنس بلقائها ، ويتذكّر فيها حبّ خديجة (رض) ، وكما أحبّ ، فلقد كانت هالة ..
روت عائشة هذا الموقف والحوار الوجدانيّ المؤثِّر ، فقالت : ( استأذنت هالة بنت خويلد ، أخت خديجة ، على رسول الله (ص) ، فعرف استئذان خديجة ، فارتاع((78)) لذلك ، فقال : اللّهمّ هالة ، قالت : فغرتُ ، فقلتُ : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشّدقين ، هلكت في الدّهر ، قد أبدلكَ الله خيراً منها ) (79) .
وإلى هنا توقّف البخاري الذي نقل هذه الرواية ، ولم يكملها ، ولم ينقل إلينا ردّ الرسول (ص) على عائشة .. غير أنّ أحمد بن حنبل ، روى ردّ رسول الله (ص) على عائشة ، وتأذِّيه من قولها .. نقل ابن الأثير في البداية والنهاية ما رواه أحمد بن حنبل ، مُنبِّهاً إلى أنّ البخاري لم ينقل ردّ رسول الله على عائشة ، واستنكاره لقولها ، ونصّ قوله هو : (ولكن قال الإمام أحمد : حدّثنا مؤمِّل ، أبو عبدالرحمن ، حدّثنا حماد بن سلمة ، عن عبدالملك ـ هو ابن عمير ـ ، عن موسى بن طلحة ، عن عائشة ، قالت : ذكر رسول الله (ص) يوماً خديجة ، فأطنبَ في الثناء عليها ، فأدركني ما يُدرِك النساء من الغيرة ، فقلت : لقد أعقبكَ الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشّدقين ، قالت : فتغيّر وجه رسول الله (ص) تغيّراً لم أره تغيّر عند شيء قط إلاّ عند نزول الوحي أو عند المخـيلة ، حتى يعلم رحمة أو عذاباً ... ) (80) .
وقال مروان بن معـاوية ، عن وائل بن داود ، عن عبدالله البهي ، قال : قالت عائشة : كان رسول الله (ص) إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها ، فذكرها يوماً ، فحملتني الغيرة ، فقلت : لقد عوّضكَ الله من كبيرة السن ! قالت : فرأيته غضب غضباً أسقطت في خلدي ، وقلتُ في نفسي : اللّهمّ إن أذهبتَ غضب رسولك عنِّي لم أعد أذكرها بسوء . فلمّا رأى النبيّ (ص) ما لقيت ، قال : ( كيف قُلتِ ؟ والله لقد آمَنت بي إذ كذّبني الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، ورُزِقتُ منها الولد وحُرمتموه منِّي ، قالت : فغدا وراحَ عليَّ بها شهراً ) .
لقد كانت خديجة وفيّة لرسول الله (ص) ، تكرم مَن أحبّ رسول الله (ص) وتقضي حاجته ، لذا أكرم رسول الله (ص) مَن أحبّته خديجة .
جاء في بعض الروايات أنّ حليمة السعدية مربِّية النبيّ (ص) ، قدمت على النبيّ (ص) بعد زواجه بخديجـة ، وكانت البـادية قد أصابها القحط والجدب ، فشكَت إلى رسول الله (ص) ما تُعانيه من فقر وحاجة ، فحدّث رسول الله (ص) خديجة بذلك ، ليحثّها على تقديم المساعدة لها ، فوهبتها خديجة بعيراً وأربعين شاة ، تقديراً لعلاقة حليمة بالنبيّ محمد (ص) كمربِّية له وطالبة حاجة منه (81) .
فلا غرابة أن نرى وفاء محمد (ص) لخديجة بعد موتها وصلته واحترامه لصديقاتها ، إنّه الوفاء الصادق ، والحبّ المخلص الذي لا يُغيِّره الزمن ، ولا يزول بمرور الأيام ..
ويحفظ لنا التأريخ موقفاً لرسـول الله (ص) يُسجِّل فيه أروع حالات الوفاء للزوجة الوفية .
(رُوي أنّ امرأة جاءته ، وهو في حجرة عائشة فاستقبلها ، واحتفى بها ، وأسرعَ في قضاء حاجتها ، فتعجّبت عائشة من ذلك ، فقال لها (ص) : إنّها كانت تأتينا في حياة خديجة) (82) .
وتبرز مكانة خديجة ، وفضلها على نساء النبيّ (ص) ، بما شهد به رسول الله (ص) ، فهو يردّ على عائشة بقوله : (ما أبدلني الله خيراً منها ) .. وبما اسـتحقّته وحدها من نساء النبيّ (ص) من بشارة ببيت في الجنّة ، وهي وحدها التي تلقّت التحيّة من ربِّ العزّة ، وهي وحدها مِن بين نسائه ، قال فيها رسول الله (ص) : إنّها خير نسائه .. وهي وحدها التي واستهُ بمالها ، وبذلت كلّ ما تملك من أجل الرسول (ص) ودعوته الحقّة ، ورزقه الولد منها ..
وصف ابن اسحاق إخلاص خديجة بقوله : (وكانت خديجة وزيرة صدق)، في حين كانت معظم نسائه (ص) يتظاهرنَ عليه ، ويُطالبنه بمطاليب دنيوية ، ويُقاطعنه ويُقاطعهنّ .
سجّل القرآن كل ذلك ، وشرح المفسِّرون المصاديق والأحداث .
قال تعالى : (يا أيّها النبيّ قُل لأزواجِكَ إن كنتنّ تردنَ الحياةَ الدّنيا وزينتها فتعالينَ اُمتِّعكنّ وأسرِّحكنّ سراحاً جميلاً * وإن كنتُنّ تُرِدنَ اللهَ ورسوله والدّار الآخرة فإنّ الله أعدّ للمُحسِناتِ مِنكنّ أجراً عظيماً )( الأحزاب / 28 ـ 29 ) .
(إن تتوبا إلى اللهِ فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا (83) عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربِّه إن طلّقكنّ أن يُبدلـه أزواجاً خيراً منكنّ مسـلمات مؤمنات قانتـات تائبات عابدات سائحات ثيِّبات وأبكاراً)(التحريم/4ـ5).
ذلك خـطاب الوحي لبعض نساء النـبيّ (ص) ، في حين كان خطاب الوحي لخديجة هو أن أبلغها الله سبحانه بتحيّة السّلام ، وبشّرها ببيت في الجنّة .
إنّ في حـياتها الزوجية والرسـالية لعـبرة وقدوة لكل امرأة في دنيا الانسان ، ومسار الأجيال ، فسلامٌ على خديجة زوجة وفيّة لرسول الله ، وسلامٌ عليها يوم اُبلِغَت تحيّة الرّبّ العظيم ، وسلامٌ عليها يوم ماتت ويوم تُبعَث في الخالدين .
ساجدة لربي- عضوة نشيطة
- عدد الرسائل : 388
العمر : 39
المكان : حيث كتب لي أن أكون
المهنة : ربة بيت وأفتخر
التقييم : 0
نقاط : 36
تاريخ التسجيل : 19/04/2007
رد: من كتاب أم المؤمنين الكبرى خديجة بنت خويلد
بارك الله فيك ما اروع سيرة امنا خديجة رضي الله عنها
اول امارة تسلم وآزرت النبي صلى الله عليه وسلم ايما مؤازرة
فكان حقا عليه ان يبقى لها وفيا حتى بعد مماتها
اول امارة تسلم وآزرت النبي صلى الله عليه وسلم ايما مؤازرة
فكان حقا عليه ان يبقى لها وفيا حتى بعد مماتها
ام مريم- مبتدئ
- عدد الرسائل : 70
العمر : 57
التقييم : 0
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 09/07/2008
رد: من كتاب أم المؤمنين الكبرى خديجة بنت خويلد
بارك الله فيك
souad2007- مشرفة دهبية
- عدد الرسائل : 2766
العمر : 64
التقييم : 38
نقاط : 1955
تاريخ التسجيل : 04/05/2007
رد: من كتاب أم المؤمنين الكبرى خديجة بنت خويلد
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا.اختي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا.اختي
مسلمة- عضوة فعالة
- عدد الرسائل : 540
العمر : 50
المكان : في احضان الجزائر الحبيبة
المهنة : ربة بيت
التقييم : 2
نقاط : 107
تاريخ التسجيل : 08/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى